31 - 05 - 2025

الطريق إلى الهاوية| السجن للجدعان والجامعة للعصافير والوطن إلى الجحيم

الطريق إلى الهاوية| السجن للجدعان والجامعة للعصافير والوطن إلى الجحيم

ببراءة يشد أمه "ماما نفسي أدخل السجن، البطل يقول لصديقه: السجن للجدعان" وتندهش الأم: "وأين رأيت هذا يا حبيبي؟" فيرد الطفل بالبراءة نفسها: "على قناة الأطفال التي أتابعها، وتخرج الأم لترى أن إعلانات أفلام العيد تملأ قنوات الأطفال؛ فأصحاب الضمائر الميتة يعرفون أن تأثير الطفل على أهله كبير جدًّا.

"لقد قررت الجامعة الاستعانة ببعض الطلاب الوطنيين للإبلاغ عن أية إساءات يقوم بها أصحاب الأنشطة الهدامة"

هل يمكن أن نتصور طريقة أكثر شيطانية لإفساد مجتمع برمته من هذه الطرق، إفساد الجذور والأوراق.. وبعد هذا نتساءل عن سبب فساد النشء، ونتحسر على انهيار التعليم والثقافة والقيم.

ربما علي الآن أن أنقل صورًا مما يفعل العالم المتحضر ليحافظ على تحضره:  في اليابان تم عمل مدينة ترفيهية بها ثمانون مهنة يقوم الطفل بتجربة المهنة التي يريدها بشكل كامل، يتعرض الأب للسجن في حالة منعه لابنه من الذهاب إلى المدرسة، تقوم الجهات المختصة بالأطفال بالتعاقد مع دور نشر متخصصة لتسليم أولياء الأمور بشكل دوري مطبوعات ثقافية تخص الطفل وسلامته، كما تسلمهم قصصًا ومجلات تلائم هذه الأعمار.. تمكن منظومة التأمين الصحي الأم من الاتصال بجهات متخصصة لتوفير مديرة منزل أو مربية (مجانًّا) لرعاية الأبناء وذلك عند رغبة الأم في قضاء سهرة مع زوجها، أو الوفاء بالتزام عائلي أو اجتماعي، تركز الجماعات الدينية المتشددة في الكيان الصهيوني على استقطاب الأطفال وتدريبهم من الصغر على التعاليم المتطرفة بشكل يناسب أعمارهم

ما الذي يجب أن يقال، بإيجاز:

أين معايير سلامة المشاهد خصوصًا القاصرين؟

أين البرامج أو المسلسلات أو الأفلام التي تتحدث عن إنجازات العلماء والأطباء والنابغين؟

ماذا ننتظر من طفل يفتح التلفاز فيجد مناظر الدم والسجن والرقص والأغاني الماجنة؟

كيف يمكن لأسرة أن تحمي ابنها من هذا التدمير المستمر والمتعمد؟

كيف توقف الأجهزة المعنية قنوات فضائية لأنها تبث فكرًا متطرفًا مسمومًا ولا تقترب من قنوات العري والفضائح بحجة حرية الفن؟

لكن السؤال الخطر الذي أطرحه الآن: هل تساعد أجهزة الدولة هذه البذاءات لكي تنتج لها أجيالا فاسدة سهلة التطويع عبر اتباع الغرائز؟

إجابة هذا السؤال - لدى المتسرعين - قد تكون في طنطنة المسؤولين قبل الثورة - وبفخر - إن أكثر الكلمات التي يبحث عنها المصريون على الإنترنت هي الجنس، وإن أكثر الشخصيات التي يتم البحث عنها هي لاعبو الكرة والممثلون.

هل لي الآن أن أسأل عن هدف الفن: الإقناع والإمتاع والارتقاء بروح الإنسان ودعم قيم الحب والخير والجمال؟

هل لي أن أسأل عن هدف التعليم: بناء شخصية سوية قادرة على خدمة وطنها والوفاء بما يطلب منها لرقيه وازدهاره.

تعالوا نحاول أن نبدأ الأمر هكذا.. ماذا نريد من أبنائنا؟ وبناء على هذه الإجابة نحدد: ماذا نقدم لهم؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟

أتأمل الآن طفلا صغيرًا لم يتجاوز التاسعة وهو يفتح قناة أطفال أو يغير القنوات بالريموت كنترول فيجد هذا الطوفان.. أتأمله حين يذهب لتأدية الصلاة فيصطاده رجل بابتسامة صافية.. أتأمله حين يجد أن التجسس على زملائه هو وسيلة الترقي وطريق الوطنية.. أي فساد في الأرض نضع؟ وأي دمار سنجني؟

أميل إلى الرهان على أن الأمر لا يعدو سوء إدارة، ناتج عن عصور من التجريف المنظم لهوية هذا الشعب وسلبه أهم ما لديه: موارده البشرية.. لكن

أما من طريقة لتنظيم القنوات الفضائية، وبيان ما هو مخصص للأطفال، وما هو ممنوع عنهم؟ أما من طريقة لتجنيب أبنائنا أن يكونوا خونة وبصاصين ومحبي للسجن ولدق الوشم ولشرب المخدرات؟

إن الطريق لبناء دولة شاق، والطريق لإنقاذ دولة سقطت في براثن طغمة فاسدة أشق.. لكنه في كل الأحوال يمر بهذا الكائن الأبيض ذي الابتسامة الناصعة، الذي نصر الآن بقصد أو دون؛ فالقتل في كل تعاريفه هو هدم للجسد يتوجب العقوبة..

معاركنا المقدسة يجب أن تبدأ بهذا السؤال:

كيف تنظر دولة ثورة يناير وموجتها الثانية؛ 30 يونيه إلى بذور هذا المجتمع (أطفاله)؟ وكيف تنظر إلى غصونه وزهوره (طلابه)؟ من خلال هذه الإجابة سنحكم: أهذه ثورة أم ارتداد؟

##

 

مقالات اخرى للكاتب

رسالة من مثقف مصري لصديقه الغزاوي: ارفق بنا